هل ساعدت الكرونا في تغيير الأفكار العتيقة ؟

المواطن السويدي و حتمية خفض الإنفاق من 7 إلي 10 سنوات.
تلك هي المدة التي سيستغرقها الإقتصاد العالمي للتعافي من الضرر البالغ نتيجة جائحة كوفيد 19 طبقاً لخبراء الإقتصاد.
نعم الأمر بهذا السوء،بل إن بعض الخبراء ذهب إلي أن الأزمة العالمية الراهنة قد تكون أسوأ من الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي.
هذه الأزمة لم و لن تسلم منها أي دولة في العالم و لكن ستتفاوت المعاناة من دولة إلي أخري حسب تعاملها مع الجائحة و قوة إقتصادها.
و تأتي السويد علي رأس الدول الأقل تضررا من الأزمة نتيجة تعاملها الفذ مع الجائحة و الإبقاء علي المجتمع و كافة نواحي الإقتصاد دون إغلاق.
ذلك الإنجاز يعطي المواطن حالة من الإطمئنان إقتصاديا ،و لكن الحذر كل الحذر من المبالغة لدرجة الإطمئنان التام بأن كل شيء علي ما يرام ،فكل شىء ليس علي ما يرام بالنسبة للسويد ولا المواطن.
صحيح أن المواطن السويدي لديه رفاهيه عدم الإضطرار إلي الخفض الحاد لنفقاته كما هو الحال في باقي دول أوروبا والعالم ،ولكنه يتحتم عليه أن يبادر دون إبطاء إلي خفض موضوعى و معتدل في الإنفاق يمكنه من إجتياز سنوات الأزمة بلا معاناة وصولا إلي التعافي المبكر المرشحة له السويد بقوة و الذي قد يسبق التعافي الإقليمي و العالمي بثلاث أو أربع سنوات شريطة أن يشرع المواطن في خفض الإنفاق و يستمر علي ذلك حتي تمام التعافي، و ذلك بطريقه سلسلة و سهلة التطبيق و تكاد تكون خالية من الآثار السلبية.
في بعض أوجه الإنفاق الجوهرية مثل نفقات سياحة العطلات فإن المواطن السويدي يمكنه استبدال الرحلات السياحية عالية التكلفه إلي جزر الكاريبي أو جنوب شرق آسيا برحلة أقرب وليكن إلي تركيا بتكلفة تصل إلي النصف و سيحصل على نفس الإشباع و ربما أكثر بالإضافة إلى الأمان الصحي الأعلى.
وجه آخر جوهري و له أهمية خاصة لدي المواطن السويدي و هو شراء العقار ،فالمواطن يشتري فقط عقار المستوى الأول ولا يهتم بعقار المستوى الثاني أو الثالث ،و هذا الإتجاه أصبح تعديله ضرورة ملحة ، فليس من الموضوعية أن يشتري المواطن عقارا من المستوى الأول بملايين في ظل الظروف الراهنة في حين يمكنه بكل سهوله الحصول على عقار مماثل و ربما أفضل بتكلفة تصل إلي العشر.
نعم هذا متاح و بسهولة في عقارات المستوى الثاني و الثالث و خاصة عقارات التفاليس و التي لم يعد لها وريث وهي حرفيا بعشر الثمن ، و تلك العقارات المعروضه بوفرة يستطيع المواطن بعد شرائها أن يطورها كما يشاء و يعيد ديكوراتها الداخلية و الخارجية بتكلفة زهيدة و ينتهي به الأمر إلي الحصول على عقار مستوى أول بتكلفة زهيدة للغاية و فوق ذلك يكون قد وضع لمساته و ذوقه الخاص كما يريد علي عقاره متجنبا ما قد يفرض عليه من سمات في عقار المستوى الأول باهظ الثمن الذي لا يمكن أبدا أن تكون كل تفاصيله كما يجب المشتري.
و في عموم السويد لا يوجد عقار ردئ فقط عقار يحتاج إلي التطوير أو إجراء إصلاحات أو ديكورات ،فالسويد كل عقاراتها من أفضل و أجمل العقارات علي مستوي العالم.
بهذا التوجه الموضوعي يتمكن المواطن السويدي من انفاق مبالغ أقل بكثير و حصل في المقابل علي المردود الجيد الذي إعتاد عليه و ربما أكثر و قام بواجبه تجاه نفسه و بلده.
و يجدر الإنتباه إلي أن الإقتصاد السويدي سيتأثر في الأشهر القليلة القادمة نتيجة تطبيق إتفاق الإتحاد الأوروبي الذي أبرم في بروكسيل قبل أيام و الذي بحكمه لن تتلقي السويد أيا من حزم المساعدات المقررة بالإتفاق و الموجهه إلي الدول الأكثر تضررا من الجائحة و الدول الأضعف إقتصاديا و السويد ليست من هذا ولا ذاك ،بل إن السويد ستكون من الدول المانحة للأموال لتلك الدول من خلال التزام السويد بإصدار سندات لتمويل حزم المساعدات و هذا سيشكل عبئا علي الإقتصاد السويدي في الوقت القريب و يمتد حتي إنتهاء فتره سداد تلك السندات، وهذا يجعل خفض الإنفاق الفردي أكثر وجوبا و إلحاحا للمواطن و المجتمع السويدي.
أما إذا إستمرار المواطن علي نفس نمط إنفاقه المعتاد كأن شيئا لم يحدث ،فإن ذلك سيكون له آثار سلبية عميقة ليس أقلها خسارة المكاسب الإقتصادية و المجتمعية الرائعة التي حققتها السويد و المتمثلة في التقليل الحاد من الخسائر الناجمة عن الجائحة ،تلك المكاسب التي لم تكن مجانية ،بل دفعت مقابلها ثمنا ليس بقليل كما هو معلوم للكافة ،و هذا يضع مسؤلية وطنية و أدبية علي عاتق المواطن السويدي و هي أن يحرص علي ألا تذهب التضحيات التي تحملتها السويد هباءا.
و الأكثر من ذلك،إذا إختار المواطن السويدي عدم تخفيض الإنفاق، فإنه سيجد نفسه بالضرورة متجها إلي قاع المنحنى الإقتصادي الذي جنبته الدولة من النزول إليه خلافا لباقي الدول ،بل إنه سيجد نفسه يشاهد مواطني الدول المجاورة يغادرون القاع صعودا في عكس إتجاهه في مشهد قد يؤدي إلي أضرار نفسية مجتمعية جسيمة تفوق تلك التي كانت الدولة نجحت في إبعاد شبحها عن المجتمع إبان الجائحة.
الكاتب : مسعد عيد.