بعد 27 عامًا من غرقها.. السويد تستكمل التحقيقات في حادث سفينة إستونيا

صورة تعبيرية
آية نصر الدين – وكالات
استجابت حكومة السويد لمطالب لجنة تحقيق السفينة السياحية استونيا الغارقة عام 1994، ورفعت الحظر عن موقع غرق السفينة في بحر البلطيق، كما سمحت بالغوص حولها لاستكمال التحقيقات فى أسوأ كارثة غرق بحرية في أوروبا بعد الحرب العالمية، والتي قدر عدد الضحايا الذين لقوا حتفهم فى هذه الكارثة بـ852 شخصًا، من بينهم 501 يحملون الجنسية السويدية، ولذلك اعتبرت أسوأ الكوارث التي أصابت السويد في تاريخها الحديث.
كانت استونيا على موعد مع رحلتها الأخيرة في ساعات الصباح الأولى من الثامن والعشرين من شهر سبتمبر عام 1994، إذ اغرقتها عواصف قوية وأمواج مرتفعة قبالة شواطئ فنلندا في بحر البلطيق وهي في طريقها من تالين عاصمة دولة استونيا إلى ستوكهولم السويدية. وكان على متنها وقت الحادث 950 راكبًا، معظمهم من السويديين.
تعتبر هذه الحادثة واحدة من أسوأ الكوارث البحرية في القرن العشرين. بعد كارثة غرق السفينة تايتانيك، وثاني كارثة حطام للسفن الأوروبية، والسفينة الأكثر دموية في وقت السلم في المياه الأوروبية.
وقد صرح وزير الداخلية السويدى، ميكائيل دامبيري، أن وزارة العدل تعمل على تغير القانون الذي اعتبر أن موقع غرق سفينة مقبرة يحظر بالقرب منها عمليات الغوص، ومن المتوقع أن تدخل هذه التعديلات حيز التنفيذ بحلول الصيف المقبل.
وقد أشارت التحقيقات السابقة أن سوء الأحوال الجوية كان سببًا لتحطم مقدمة السفينة وغرقها.
إلا أن فيلمًا وثائقيًا عرض عام 2020 كشف عن وجود ثقب في هيكل السفينة لم يتم الإشارة إليه في التحقيق الذى أجرى وقت غرق السفينة ، وهو الأمر الذى فتح الباب أمام احتمالات أخرى للغرق، ومن ثم ظهور المطالبات يإعادة التحقيقات.
وعن قصة السفينة المنكوبة يروى أن علامات الكارثة الاولى بدأت قرابة منتصف الليل عندما سُمع دوي قوي تلاه بعد حوالي ربع ساعة انفصال مقدمة السفينة عنها وسقوطه في مياه البلطيق مما دفع بأمواج البحر الى داخلها حيث كانت السيارات والشاحنات، وعندها انقلبت استونيا على جنبها، وبعد حوالى 20 دقيقة بعد منتصف الليل عندما وصل نداء الاستغاثة الاول من MS ESTONIA
بعد اقل من نصف ساعة على هذا النداء سبقت مؤخرة استونيا مقدمتها الى اعماق البلطيق. وحالت الرياح القوية والأمواج العالية عمليات الوصول الى الناجيين عن طريق فرق الانقاذ، حيث اعيقت السفن والطائرات المروحية من الوصول لموقع الحادث.
حيث روى سيديركفيت المسؤول الإعلامي لسفينة ماريلا التابعة لشركة الملاحة فيكينغ لاين والتى اشتركت فى محاولات الإنقاذ ، ما حدث قائلًا عند وصول ماريلا الى مكان الحادث، كان استونيا اختفت بالفعل عن سطح المياه ومعها اختفت الاشارة من على الرادار. يبدو ان استوينا غرقت بسرعة فائقة، واتبع حديثه قائلًا : “
قرابة ألف شخص كانوا على متن استونيا تلك الليلة، نجا منهم 137.
ويروى انديش اريكسون – أحد الناجين – ما حدث قائلًا: ” ادركت وقوع الكارثة عندما سمع دويًا تلو الأخر، وكانت السفينة تميل بقوة، وانقلبت ماكينة المشروبات الغازية على الارض، فحاولت التمسك بأي شيء لكي اجد مكانا اقف فيه، وحاولت تفادي ان يرتطم شيئا ما برأسي. سمعت صافرة انذار لا توصف اطلقها القبطان. ثم مالت السفينة للمرة الاخيرة، وانقلبت، قال اريكسون بعد حوالي 3 ايام على انقاذه من على متن استونيا: “لم استطع ان افعل شيئا بل سقطت في المياه، واعتقدت عندها ان النهاية قد حانت. ولكنني وبطريقة لا استطيع تفسيرها استطعت ان اجد طريقي الى حبل بدا انه مربوط باحكام. وتمكست به.
أوكلت مهمة دراسة الحادثة لسلطة الملاحة البحرية Sjöfartsverket، بالاضافة الى مجلس الاخلاقيات المهنية Etiska Rådet الذي توصل بعد عدة اسابيع الى عدم رفع الحطام واعتبار البلطيق مقبرة الغرقى.
كما قدم الحقوقيون في سلطة الملاحة البحرية رأيًا يفيد بأن رفع الحطام سيعود بالاذى على الجثث، والتي سيكون متعذرا انتشالها جميعا.
وبعد مرور 3 اشهر على الحادثة قررت الحكومة السويدية وصوت البرلمان السويدي بالاجماع على عدم رفع السفينة من المياه، وهو قرار تزامن مع قرارين مماثلين اتخذتهما كل فنلندا واستونيا.
ووقتها قال رئيس الوزراء السويدي انغفار كارلسون: ” قرار الحكومة السويدية هو عدم انتشال سفينة الركاب M/S Estonia واعتبار مكان غرقها مقبرة. سوف نقوم بتغطية السفينة واتخاذ عدد من الاجراءات لضمان احترام حرمة القبر ومنحه حماية قانونية”.
وبمرور الاعوام تعاقبت التقارير والدراسات حول حادثة غرق السفينة استونيا، وبعد مرور 3 اعوام توصلت لجنة دراسة اسباب الحادثة haverikommissionen الى ان عطلا في آلية البوابة الكبيرة التي تدخل منها السيارات والشاحنات في مقدمة السفينة، بالاضافة الى سرعة الابحار وارتفاع الامواج هي ما ادى الى غرق استونيا. اللجنة لم تشر باصبع الاتهام الى شخص معين انما عللت اسباب الغرق الى جملة من القرارات الخاطئة التي اتُخذت مصحوبة باهمال من طاقم السفينة.
ولكن التحقيق تعرض لانتقادات شديدة تم على اثرها تعيين لجنة جديدة لدراسة ردود فعل المجتمع على اثر الحادثة. اللجنة توصلت الى نتيجة مفادها ضرورة وقف جميع عمليات تغطية السفينة ورفع حطامها، الأمر الذى لم توافق عليه الحكومة التي اكدت بعد اشهر قليلة ثباتها على قرارها السابق بعدم رفع الحطام وبأن جثث الغرقى ستبقى في اعماق البلطيق. اعمال تغطية السفينة ستتوقف ولكن مع الحفاظ على حرمة القبر.
كان غرق استونيا وراء وضع سلسلة من القواعد والشروط التي تهدف الى رفع مستوى الامان في السفن التي باتت مجبرة على اتباعها، كتحسين الهيكل بحيث يكون قادرا على ضمان استمرارية الملاحة والوصول الى اقرب ميناء حتى في حالة التعرض للاصابة. قواعد الامان تغيرت هي الاخرى بحيث اصبحت اللجان المختصة تضع تقاريرًا وتحليلات تتعلق بخطر الابحار بالاضافة الى ضمان خطط اخلاء السفن بأسرع وقت ممكن. ولكن هناك عدد من هذه القواعد التي لا يمكن تطبيقها.