اعتقال “نافالني” يفتح النيران على روسيا.. إدانات دولية ومطالب بإخلاء سبيله

اليكسي نافالني
آية نصر الدين
أدانت بعض الأوساط السياسية الأمريكية والأوروبية اعتقال الناشط السياسي والمعارض البارز الروسي أليكسي نافالني، 44 عامًا، من قبل الشرطة الروسية فور وصوله إلى مطار العاصمة الروسية موسكو عائًدا من برلين الألمانية بصحبة زوجته التي سمح لها بالعبور بعد رحلة استشفاء وإعادة تأهيل دامت لخمسة أشهر تلقاها نافالني على الأراضي الألمانية، إثر تعرضه لمحاولة اغتيال من قبل السلطات الروسية على حد تصريح نافالني ومصادر طبية ألمانية بغاز الأعصاب السام والمحظور دوليًا “نوفيتشوك”، والذي يعود إلى الحقبة السوفيتية، وهو الأمر الذي وصفه الكرميلن بالمزاعم والضجيج الفارغ.
وأكدت سلطة السجون الروسية أن نافالني سيبقى معتقلا إلى أن تتخذ المحكمة قرارا في شأنه، بحجة أنه انتهك خلال إقامته في ألمانيا في الأشهر الأخيرة شروط عقوبة بالسجن مع وقف التنفيذ صدرت بحقه العام 2014.
كما طالب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مجددا ألمانيا بتقديم أدلة على أن نافالني 44 عاما قد تعرض للتسميم، عقب إعتقاله بمطار موسكو.
وذكر شهود عيان، أن الشرطة اعتقلت المعارض البارز عند منطقة فحص الجوازات،
كما اعتقلت الشرطة الروسية عددًا من حلفاء نافالني الذين توجهوا إلى هناك لاستقباله، وفق ما أفاد مصدر مقرب من المعارض الروسي.
ووفقًا لما ذكرته وكالة رويترز، “فإنه بالرغم من تأكيد السلطات الروسية أن نافالنى سيتم اعتقاله إلا إنه عاد إلى البلاد، حيث استقل طائرة تابعة لشركة طيران بوبيدا في ألمانيا، عائدا إلى روسيا”، وهو ما أثار التساؤلات حول سبب رجوعه لروسيا، وعندما سأله الصحفيون لدى صعوده إلى الطائرة عن سبب عودته إلى روسيا على الرغم من تأكيدات الحكومة الروسية وتجهيزها لاعتقاله منذ إعلان عودته يوم الأربعاء من الأسبوع الماضى، قال نافالني: “يعتقلونني أنا.. أنا بريء”، وسأعود رغم التهديدات بالاعتقال.
.
واتهم نافالني، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بمحاولة ردعه عن العودة إلى الوطن بقيود قانونية جديدة، كما ألقى باللوم على الكرملين في عملية تسميمه، الأمر الذي نفاه الكرملين مرارا، كما وجه المعارض الروسى الاتهام إلى “فرقة اغتيال” من جهاز المخابرات الداخلية التابع لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي، والتي تعمل بأوامر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بمحاولة تسميمه باستخدام غاز أعصاب من مجموعة “نوفيتشوك” في آب/أغسطس الماضي.
وقد حذرت دائرة السجون الفيدرالية فى ديسمبر الماضى نافالني من أنه سيواجه عقوبة السجن، إذا فشل في إبلاغ مكتبها بما يتماشى مع شروط العقوبة مع وقف التنفيذ والمراقبة التي حصل عليها، لإدانته عام 2014 بالاختلاس وغسيل الأموال.
وبدوره، نفى نافالني هذه التهم، وأكد أن “دوافعها سياسية”، كما قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بأن إدانته غير قانونية، كما طالبت مجموعة السبع بكشف المسؤولين عن تسميم “نافالني”
ويذكر أن نافالنى دخل في غيبوبة عندما كان على متن طائرة في رحلة داخلية من سيبيريا إلى موسكو في 20 أغسطس 2020، ونُقل من مستشفى في سيبيريا إلى مستشفى ببرلين بعد يومين.
وأثبتت المختبرات في ألمانيا وفرنسا والسويد، والاختبارات التي أجرتها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أنه تعرض لغاز الأعصاب “نوفيتشوك”، الذي يعود للحقبة السوفيتية.
ومن جانبها، شددت السلطات الروسية على أن الأطباء الذين عالجوا نافالني في سيبيريا قبل نقله جوا إلى ألمانيا، “لم يجدوا أي آثار للسم”، وطالبوا المسؤولين الألمان بتقديم دليل على تسممه.
وفى سياق متصل دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى “الإفراج الفوري” عن نافالني.
وندّدت الحكومة الألمانية بالتوقيف الذي وصفته بـ”الاعتباطي” للمعارض الروسي، واعتبرت أن هذه القضية “سترخي بثقلها” على العلاقات الثنائية وأن التوقيف حصل “في خرق لمبادئ دولة القانون”.
وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت، يوم الاثنين (18 كانون الثاني/يناير 2021) في برلين، إن “السلطات الروسية ألقت القبض على ضحية هجوم بالأسلحة الكيماوية وليس مرتكبيها، لذلك تحث الحكومة الألمانية نظيرتها الروسية أولا على إطلاق سراح نافالني على الفور، وثانيا توضيح كامل لظروف الهجوم الكيماوي على الأراضي الروسية”، مضيفاً أن روسيا لديها كل ما تحتاجه للقيام بذلك.
وأشار زايبرت إلى أن الحكم، الذي من المفترض أن الاعتقال تم بناء على انتهاك شروط إيقافه، قد تم تصنيفه على أنه تعسفي من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عام 2017، مضيفاً أنه تم بعد ذلك الحُكم على روسيا بدفع تعويضات إلى نافالني وشقيقه، وقال: “اتهام السيد نافالني بانتهاك شروط المراقبة نتيجة حكم تعسفي ينتهك سيادة القانون”.
وذكر زايبرت أن نافالني كان يتماثل للشفاء في ألمانيا منذ الهجوم عليه، وقال: “من غير المقبول تماماً اتهام السيد نافالني بانتهاك شروط إيقاف الحكم في هذه الفترة”.
فيما اعتبر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال مساء الأحد (17 كانون الثاني/ يناير 2021) في تغريدة أن اعتقال نافالني بعد عودته إلى موسكو أمر “مرفوض”، داعياً الى “الإفراج الفوري” عنه.
ومن جهته دعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل السلطات الروسية إلى “احترام حقوق” أليكسي نافالني مطالباً أيضاً في تغريدة “بالإفراج عنه فوراً”. وقال بوريل في تغريدته إن “تسيس النظام القضائي غير مقبول”.
وفيما التزمت إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب الصمت إزاء اعتقال نافالني ولم تصدر وزارة الخارجية الأمريكية على الفور أي رد فعل، جاءت الإدانة من فريق الرئيس المنتخب جو بايدن.
فقد اعتبر جايك سوليفان مستشار الأمن القومي لبايدن أنه “ينبغي الإفراج فوراً” عن نافالني. وكتب سوليفان على تويتر أن “هجمات الكرملين على نافالني ليست انتهاكاً للحقوق الإنسانية فحسب، بل إهانة للشعب الروسي الذي يريد أن يكون صوته مسموعاً، بحسب (أ ف ب،د ب أ)
وُلد نافالني في 4 يونيو/حزيران 1976 في منطقة بايتن بموسكو، درس القانون وتخرج من جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو عام 1998، أصبح زميلا (زائرا) في جامعة ييل الأمريكية في عام 2010، يعيش في موسكو مع زوجته وطفليه، ظل الناشط والمدون الروسي في مجال مكافحة الفساد ، لزمن طويل الوجه الأبرز للمعارضة الروسية للرئيس فلاديمير بوتين، لديه ملايين المتابعين الروس على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تمكن من إيصال بعض مؤيديه إلى المجالس المحلية في سيبيريا في انتخابات عام 2020.
ويقول نافالني إن حزب “روسيا المتحدة” الذي يتزعمه بوتين يغص بـ “المحتالين واللصوص”، ويتهم الرئيس بأنه “يمتص دم روسيا” عبر “دولة إقطاعية” تحصر وتركز السلطة في الكرملين.
قاد احتجاجات في عموم البلاد ضد السلطات. لكنه لم يتمكن من تحقيق، ما يعد على الأرجح، حلمه الأكبر في تحدي بوتين في صناديق الاقتراع.
مُنع من الترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2018 بسبب إدانته في محكمة روسية بتهمة الاختلاس
.
ألقي القبض على نافالني بعد الاحتجاج الأول في 5 ديسمبر/كانون الأول 2011 ، وسُجن لمدة 15 يوماً، لكنه ظهر للتحدث في أكبر التجمعات التي أعقبت الانتخابات في موسكو في 24 ديسمبر/كانون الأول، وحضره حينئذ ما يصل إلى 120 ألف شخص.
وفاز بوتين في وقت لاحق في الانتخابات التي أجريت لإعادة انتخابه كرئيس بسهولة، وشرعت لجنة التحقيق الروسية القوية في تحقيقات جنائية في أنشطة نافالني السابقة، حتى أنها شككت في أوراق اعتماده كمحام.
وعندما سُجن لفترة وجيزة في يوليو/تموز 2013 ، بتهمة الاختلاس في مدينة كيروف، نُظر إلى عقوبة السجن لمدة خمس سنوات التي تلقاها على أن وراءها أسبابا سياسية.
وسُمح له، بشكل غير متوقع، بالخروج من السجن للمشاركة في انتخابات رئاسة بلدية موسكو، حيث حصل على المركز الثاني بنسبة 27 في المئة من الأصوات، بعد حليف بوتين، سيرغي سوبيانين.
واعتبر ذلك نجاحاً كبيراً لأنه لم تكن لديه إمكانية الوصول إلى التلفزيون الحكومي، وظل معتمداً فقط على وسيلتي الإنترنت والكلام الشفهي.
وفي نهاية المطاف، ألغت المحكمة العليا الروسية إدانته عقب صدور حكم من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنه لم يُمنح جلسة استماع عادلة في المحاكمة الأولى. ثم أدين للمرة الثانية عندما أعيدت محاكمته في عام 2017، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ. ووصف الحكم بأنه هزلي، قائلا إنها كانت محاولة لمنعه من خوض انتخابات 2018.
وقال نافالني لبي بي سي إن أفضل ما يمكن أن تفعله الدول الغربية من أجل العدالة في روسيا هو اتخاذ إجراءات صارمة ضد “الأموال القذرة”.
وأضاف: “أريد منع الأشخاص المتورطين في الفساد والاضطهاد من دخول هذه البلدان وحرمانهم من تأشيرات السفر”.
عندما سُجن نافالني في عام 2013 ، قال للقاضي إنه سيحارب مع زملائه “لتدمير الدولة الإقطاعية التي يتم بناؤها في روسيا، وتدمير نظام الحكم الذي يمتلك فيه نصف عدد السكان، 83 في المئة من الثروة الوطنية”.
وكان القوميون الروس أيضاً حذرين من صلاته بالولايات المتحدة بعد أن أمضى فصلاً دراسياً في جامعة ييل في عام 2010.